خطبة بعنوان : “دور المرأة في بناء مجتمع الإسلام”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 18 من جمادي الأخري 1438هـ، الموافق 17 مارس 2017م
خطبة بعنوان : “دور المرأة في بناء مجتمع الإسلام“، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 18 من جمادي الأخري 1438هـ، الموافق 17 مارس 2017م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين ، حمد الذاكرين الشاكرين الموحدين بالله رب العالمين .القائل :”وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “( البقرة /228].واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “(الحشر /18].وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله القائل :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”(الترمذي). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم ..أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “(1الحجرات /13].
أخوة الإيمان والإسلام ..
من تعقيدات الحضارة الحديثة أن صار للمرأة قضية يكثر حولها الجدل والنقاش والأخذ والرد ، فهؤلاء أعداء الإسلام الذين ينادون بتحرير المرأة ويثرن الضجيج حول الظلم الواقع بها حتى أنه ليخيل إليك أن هناك معسكرات للاعتقال تساق إليها المرأة في القيود والسلاسل حيث تسجن وتعذب وتضرب وعندما تحاول معرفة ذلك لا ترى شيئاً.
ولما نقل دعاة تحرير المرأة هذه القضية إلينا -كما قلت- لم ينقلوها على أنها قضية مظلوم يُنتَصَرُ له، بل نقلت على أنها قضية امرأة مقابل رجل، وقضية ذكر مقابل أنثى؛ وهكذا استطاعوا أن يمزقوا المجتمع وأن يوجدوا هذه الفرقة بينه ليتمزق، فأي مكان للرجل فيه موضع قدم قيل: وأين مكان المرأة؟!وقيل للمرأة: وأين دورك؟!وأي مكان للمرأة، يقال للرجل: لماذا يترك المكان للنساء فقط؟وهكذا حتى تتناحر المجتمعات، والمجتمعات الغربية من المعلوم أنها مجتمعات متفككة لا روابط فيها، فإذا بلغت الفتاة الثامنة عشرة تطرد من بيت أهلها، وتعيش كما تشاء وأينما تشاء مع من تشاء، وكذلك الحال مع الشاب من الذكور، وومن هنا فإن كل جماعة وفئة في المجتمع تحتاج إلى تكتل تنظم تحت لوائه لتنتصر إذا ظلمت من قبل الآخرين، ولذا نجد العمال لهم تكتلات مقابل أصحاب رءوس الأموال، والطلاب لهم تكتلات مقابل الجامعات، النساء أيضاً لابد أن يتكتلن وإلا ضِعْنَ، فتتكتل النساء ويجتمعن وينشئن الجمعيات. لأن المرأة إن لم تكن في جمعية فلن تجد من يطالب بحقها؛ لأنها ستكون ضائعة في حكم القانون!! فلا بد أن تتكتل، ومن هنا تكونت الحركات والجمعيات النسائية وما أشبه ذلك.
وحديثنا إليكم اليوم عن دور المرأة في الإسلام وكيف كرم الإسلام المرأة ..على عكس اعتقاد البعض .فقد كفل الإسلام للمرأة كافّة حقوقها، ومنحها مكانةً عظيمةً سواءً أكانت أمّاً، أو زوجةً، أو بنتاً، أو أختاً، فلها ما لها من الحقوق وعليها ما عليها من الواجبات، بل وأعطاها ميّزاتٍ إضافيّةٍ عن الرَّجل بأنْ جعلها الأمّ الّتي تكون الجنّة تحت أقدامها، وأعطاها من الحسنات ما استحقّت عندما تقوم برعاية بيتها وتهيئته على أحسن وجهٍ، وزوجها عندما تسانده وتقف معه في السّراء والضّراء، وتخفّف عنه عبء وظيفته وتعب يومه، وأولادها الّذين تسعى جاهدةً على تربيتهم تربيةً صالحة.
وقبل الحديث عن هذا الأمر لابد أن نلقي نظرة سريعة حول ما يتصل بالمساواة بين الرجل والمرأة في تشريع الإسلام :فهذه قضية ترددت فيها كل القوانين والأنظمة البشرية وما زالت تتردى معها أحوال المرأة بالرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته الدولة التي تدعي التقدم والمدنية :وإذا نظرنا لوجدنا أنه لا يتحقق للمرأة تلك المساواة الحقيقية إلا في ظل الإسلام :
أخوة الإسلام : فالمرأة مساوية للرجل فيما يلي :
1- في أصل الخلقة :”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “( الحجرات /13).
2- وفي القيمة الإنسانية : حيث لا تفاضل بين الجنسين في الإسلام إلا في ميزان التقوى:” إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ“ ( الحجرات /13).
3– الثواب والعقاب الإلهي :”مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “( النحل /97).
4- في المسئولية الجنائية كذلك:” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة /38).
وكل ما يترتب على هذه الأسس للتساوي فهما فيه سواء لا فرق لأحدهما على الآخر وفيما عدا ذلك تبقى الخلافات والفوارق الخلقية بين الرجل والمرأة .
ما يتصل بحرية المرأة :
أخوة الإيمان :” فالمرأة في نظر الإسلام ليست كماً مهملاً ولا جسداً يباع ويشترى ولا هي سقط متاع ولا هي مخلوق نجس ولا هي نذير شؤم ونحس ولا هي تقتل مع زوجها إذا مات ولا هي تدفن حية وهو ما يسمى بالوأد .كما أنها ليست وسيلة إمتاع وتسلية المجتمع للرجال كما هو مشاهد في بعض المجتمعات المعاصرة. ولنستعرض بإيجاز بعض ملامح حرية المرأة في الإسلام :
1) حرية العقيدة
أيها الناس :” للمرأة كامل حريتها في العقيدة التي تحب أن تعتنقها بمعنى أنه ليس من مبادئ هذا الدين إجبار المرأة غير المسلمة وكذلك الرجل غير المسلم على اعتناق دين الإسلام فهي إما أن تعتنقه بمحض إرادتها وكامل حريتها وإقتناعها وإما أن تظل في مجتمع المسلمين على عقيدتها وتعامل معاملة الذميين :”لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “(البقرة /256). لكن إذا اعتنقت الإسلام ليس لها أن تعدل عنه إلى غيره وإلا اعتبرت مرتدة وتعامل معاملة المرتدين عن الإسلام ، فهي إن تزوجت بمسلم وأحبت أن تظل على ديانتها اليهودية أو المسيحية فلها ذلك وليس لزوجها إجبارها على الدخول في الإسلام :”الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ “(المائدة /5).
2) حريتها في زواجها إنشاء وإنهاء :
بمعنى أنه عند تزوج المرأة لابد من موافقتها على الزواج من هذا الرجل الذي يريد الزواج منها ولابد أن تكون هذه الموافقة صريحة لا إكراه فيها ولا إجبار .ففي الحديث الشريف :” لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن “.(البخاري).
وروى أن فتاة إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقالت :” إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته ” يغطي نقصه وفقره ” قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء شيء ” (النسائي وبن ماجة).
3) رؤية خاطبها
أحباب رسول الله :” وقد أعطاها المشرع حق رؤية خاطبها ، وتعرفه معرفة يقينية وتعرفه وتقتنع به وبإمكان الحياة معه ولولا حق الرؤية والمعرفة لكانتا هذه الموافقة شكلية وبلا مضمون وإذا لم توافق وامتنع إتمام هذا الزواج الذي لا ترغب فيه المرأة.
4- اختيار الرجل الصالح :
أيها الناس :” وللمرأة الحق في اختيار الرجل الصالح وأرشد الإسلام إلى هذا الأمر فقال صلي الله عليه وسلم ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير “ (الترمذي).
وأية فتنة أن تقع الفتاة المؤمنة المتدينة في عصمة رجل متحلل أو زوج ملحد لا يرغب في مؤمنة إلاً ولا ذمة ولا يقيم للشرف والغيرة والعرض وزناً ولا اعتباراً وأيه فتنة أعظم على المرأة الصالحة من أن تقع في عصمة زوج إباحي فاجر يكرهها على السفور والاختلاط ويجبرها على شرب الخمر ومراقصة الرجال .
اختيار على أساس الأصل والشرف وكما حث الإسلام الرجل على أن يختار زوجته أصيلة وشريفة ومتدينة أعطى أيضاً للمرأة هذا الحق ولقد نوه النبي صلي الله عليه وسلم عن اختلاف معادن الناس حين قال :” تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه “(البخاري وغيره). ولهذا حض عليه الصلاة والسلام كل راغب في الزواج أن يكون الانتقاء في الزواج على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب .
5- المهر :
أخوة الإيمان والإسلام :” كما أعطى الإسلام حرية للمرأة في أن تأخذ المهر تكريماً لها وإيناساً لوحشتها تلبية لغريزة حب التملك المتأصلة فيها وإعانة لها على الانتقال إلى حياة الزوجية حيث تتملك ما يزوق لها . قال تعالى :”وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً“( النساء /4). فللمرأة أن تأخذ مهرها سواء كان قليلاً أو كثيراً حسب الحالة ونهاها الإسلام أن تبالغ في ذلك حين قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً” (أحمد والبيهقي). هذا المهر أو الجهاز تملكه المرأة كما تملك أي مال لها وليس لزوجها الحق في الولاية عليه كله ولا بعضه”.
6- حق الخلع :
أخوة الإيمان والإسلام:” وللمرأة الحق في زواجها إنشاءً وعرفنا ذلك . ولها الحق في زواجها إنهاءً بمعنى أن المرأة إذا تزوجت واكتشفت أن هذا الزواج لا يمكنها الحياة في ظله أو أن الحياة بعد فترة انقلبت بين الزوجين إلى شقاء وجحيم أو غير ذلك من الصور وطلبت المرأة من الزوج أن يفترقا فأبى : هنا لا يقبل الإسلام أن يكره المرأة على البقاء مع مثل هذا الرجل الذي لا يرضاه ولا تحب البقاء معه فيعطيها حرية حرية إنها هذا الزواج ، نعم يعطيها حرية إنهاء هذا الزواج بنفسها وهو ما يسمى بالخلع ” :
وصورته أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها على مال يأخذه منها سواء كان هو المهر الذي دفعه لها أو أقل منه أو كثر أو غير ذلك ثم يخلعها وبذلك تكون حرة من هذه الزيجة التي لا تحب الاستمرار فيها ولو امتنع ذلك اجبر قانوناً “.
}الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (البقرة /229).
ويروى أنه قد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : “ثابت بن قيس ما عبت عليه في خلق ولا دين ولكني أكرهه في الإسلام فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : اقبل الحديقة وطلقها تطليقه “ (البخاري).
7) حق التملك :
وللمرأة أيها الأحباب :” حق التملك وحريتها في التصرف فيما تملكه :”لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ( النساء/7).ولا سلطان لأحد ولا ولاية عليها تحول بينها وبين والدها أو أخيها أو زوجها أو ابنها في هذه التصرفات المالية إلا إذا أدت إلى خروجها عن طاعة الله أو طاعة زوجها أو الإهمال في حقوقه عليها فله أن يقومها في هذه الحالة. (كتاب الخطب /عبد الناصر بليح).
ولسنا بحاجة إلى أن نستعرض قضية المرأة عبر التاريخ، ولكن يكفي أن نعلم أنه إلى القرن السابع عشر الميلادي في أوروبا كان من حق الرجل أن يبيع زوجته، وقد حصل ذلك، ولم تكن المرأة تملك شيئاً حتى القرن العشرين، وإلى هذه اللحظة لا تزال دول أوروبية معروفة إلى اليوم بأنها لا تعطي المرأة حق الانتخابات، فهي
ليست محسوبة من ضمن الشعب الذي يحق له أن ينتخب، وإلى هذه اللحظة لا تملك المرأة أن تستقل باسمها، وإنما بمجرد أن تتزوج أي زوج فإنها تصبح تابعة له بالاسم، وفي كثير من الدول لا يحق للمرأة أن تتملك شيئاً أبداً، فضلاً عن أنهم كانوا على حال أشد من ذلك فيما هو ثابت في نظرياتهم الفلسفية منذ عهد اليونان، فقد كان فلاسفة اليونان يكتبون -وكتاباتهم موجودة إلى اليوم- ويتساءلون هل المرأة إنسان أم لا؟!(دور المرأة في بناء المجتمع –سفرالحوالي).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين .أما بعد فيا جماعة الإسلام .
دور المرأة في بناء المجتمع
تلعب المرأة دوراً حيوياً وفعّالاً في بناء المجتمع، فهي اللّبنة الأساسيّة فيه، وهي كالبِذرة الّتي تُنتج ثماراً تصلُح بصلاحها وتفسد بفسادها؛ لِذا علينا أنْ لا نغفل عن دور المرأة في المجتمع، وأنْ نُعطيها كامل حقوقها، ونَضمن لها كرامتها، فهي من تَبني الأجيال ذكوراً وإناثا لِينهضوا بحضارتهم، ويصنعوا مستقبلاً واعداً لبلادهم. فللمرأة دور كبير في المجتمع صلاحاً وفساداً، وإذا تتبعنا هذا ما كفانا وقت . ولكن نقول وبالله التوفيق .
نماذج من المرأة في صدر الإسلام :
أخوة الإسلام :” يقول الله تبارك وتعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر“(المؤمنون/71). إن الإسلام لا يريد دفن طاقات المرأة وسلب أي دور لها في المجتمع، بل العكس تماماً فهو يريد أن يفعّل طاقات المرأة في الاتجاه الصحيح، لتكون عنصراً فعالاً له دوره الإيجابي والبناء في المجتمع، فالفعالية في المجتمع ليست خاصة بالرجال بل هي تكليف للمؤمنات كما كانت تكليفاً للمؤمنين يؤهل الإسلام المرأة لأن يكون لها ـ كالرجل ـ دور في جميع الأمور، فكما يؤدي الرجل دوراً في جميع الأمور، فالمرأة أيضاً تمتلك مثل هذا الدور“وإن التاريخ ليروي لنا قصص كثيراً من السيدات شاركن في العمل وركوب البحر مع الغزاة ..
وقد حفل العهد النبوي بنماذج مشرقة لنساء قدمن تراثاً فقهياً متميزاً;فقد كانت المرأة حاضرة في المجتمع العلمي منذ اللحظة الأولي لظهور الإسلام,فكانت تتعلم وتعلم وتفتي,وكان حرص النساء علي العلم الشرعي والاهتمام به في ذلك العهد واضحاً جلياً,حتي إن النساء قلن لرسول الله صلي الله عليه وسلم اجعل لنا يوما كما جعلته للرجال..
وكان أكثر الصحابيات علماً بالفقه أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن; وخاصة عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش, وممن اشتهر عنهن الفتيا من غيرهن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما, وها هي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها فقيهة أهل المدينة وأكثرهن تلقيا للعلم; قال عنها صلي الله عليه وسلم:فضل عائشة علي النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام,”( البخاري). فقد كانت رضي الله عنها من أعلم الناس بأحكام الإسلام,قال عنها الإمام الزهري:لو جمع علم عائشة إلي علم جميع النساء لكان علم عائشة “(أفضل,الإجابة للزركشي ص56).
أم سلمة :”وكانت رضي الله عنها ذات رأي رجيح وأخذ الرسول صلي الله عليه وسلم برأيها يوم الحديبية حين لم يرض الكثير من المسلمين ببعض شروط الصلح فنصحته بأن لايكلم أحد حتى ينحر ويحلق ويخرج إليهم ولما رأوه قاموا وحلقوا ونحروا تأسياً به صلي الله عليه وسلم واشتهرت أم سلمة رضي الله عنها بعد وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالرواية والفتيا لكونها آخر من تبقي من أمهات المؤمنين; الأمر الذي جعل مروياتها كثيرة; إذ جمعت بين الأحكام والتفسير والآداب والأدعية وغيرها.(الدور العلمي للمرأة في صدر الإسلام د/علي جمعة).
والشفاء بنت عبد الله كعب العدوية القرشية :” واسمها ليلي وغلب عليها الشفاء وأسلمت قبل الهجرة وهي من القلائل الذين عرفوا القراءة والكتابة وقد حباها الله عز وجل عقلاً راجحاً وعلما نافعاً ..وكانت رضي الله عنها تخرج مع النبي في غزاته تداوي الجرحى وكانت تأتيها الصحابة في بيتها للتطبب وقد اشتهرت برقية النملة وهي قروح تصيب الجنين ..
وكان الخليفة الراشد عمر بن الخطاب يجلها ويقدرها وقد عينها أول وزيرة تجارة في الإسلام كما عينها أول قاضية في الإسلام .. وقد ولاها علي نظام الحسبة في السوق أو كما يسمي بقضاء الحسبة وقضاء السوق وجعلها تفصل في المنازعات التجارية والمالية وهي بمثابة قاضي محكمة تجارية في يومنا هذا أو كما قيل :” وزيرة تجارة وقد قال البعض إنها بمثابة وزيرة مالية ..(عكاظ /عبدالله عمر خياط).
دور المرأة في وقتنا الحاضر
أيها الناس :” لقد برزت المرأة في عصرنا هذا ولعبت أدواراً عديدة بحاجةٍ إلى قوّةٍ وشجاعةٍ وبأس، فظهرت المرأة القائدة لبلادها، والمرأة الطّبيبة، والمرأة المعلّمة، وأخذت دوراً حتى في مجالات الحِرف اليدوية الّتي عُرفتْ بأنّها من قوة الرّجال، ولكنّها برعت في كلِّ دورٍ لعبت فيه، وستُبدع أكثر وأكثر إذا آمن المجتمع بها، وأعطاها من الفرص ما أعطى للرّجل، فلها الحقّ في البحث عن ذاتها،ولها الحق في العمل إذا أمنت الفتنة وحافظت علي حيائها ونفسها ..ولها الحق في المشاركة الفعالة لبناء المجتمع اقتصادياً وعلمياً ودينياً .. فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل، فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأة أن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حق المرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العمل والزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة) والحفاظ على كيانها كإنسانة. فالإسلام ينهى عن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولا ينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلد عليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرة كبيرة، وتعرّفها على رسول الله صلي الله عليه وسلم كان عن طريق تجارتها، حيث عمل النبي (صلي الله عليه وسلم ) لديها. فالمرأة تستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملها على الحجاب أو لم تختلط بالرجال الأجانب، لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنس للرجال.إن الدور والواجب على المرأة أن تعتني بنفسها لرفع مستواها الفكري، والسياسي، والثقافي والديني والعلمي، والاقتداء بنماذج للمرأة المجاهدة من طراز المجاهدات الكبيرات، فاطمة الزهراء، وزينب الكبرى عليهما السلام.